السبت، 2 نوفمبر 2013

" أي حب هذا !! "

" أي حب هذا !! "


أبناء بلدي .. عن أي حب يتحدثون !!
ومهما تحدثوا .. ومهما تغنوا .. ومهما ملئت كتبهم المكتبات .. ومهما باحت أحاسيسهم بالمشاعر .. ومهم نزفت عيونهم الدمع .. ومهما بلغت بهم التضحيات .. فلن أسمي علاقتهم "حباُ" ما حييت .

أي حب هذا الذي يولد في مجتمع متناقض .. مجتمع عنصري .. مجتمع قبلي .. 

مجتمع يقبع في المركز الأخير في سلم المجتمعات المتطورة والمتحضرة والإنسانية .

أي حب يولد في هذا المجتمع الذي يجلس فيه العيب فوق أكتاف الحرام ؟!

أي حب يولد في هذا المجتمع الذي يعذب ويقتل ويدين ويهين ويتبرأ من الذين خالفوه وأحبوا بصدق !!

أي حب يولد في هذا المجتمع الذي يؤمن بأن الزواج عبارة عن "قسمة ونصيب" .. وليس محبة واختيار !؟

قد .. وأكررها .. "قد" يولد الحب في هذا المجتمع .. ولكنه لن يدوم طويلاُ .. لأن مصيره في النهاية "الوأد" .. كوأد البنات في عصر الجاهلية .


تعالوا معي في هذه الرحلة القصيرة في قصص الحب الواقعية التي ولدت ولم تدم طويلاُ :


"حب بدايته عولمة .. و نهايته جاهلية"
في عام 2003 تحرك جنين الحب في رحم هذا المجتمع في العاصمة .. في بداية ازدهار الانترنت في هذا المجتمع .. وفي بداية إدمان الشباب والفتيات على الانترنت .. خصوصاُ الماسنجر .. وغرف المحادثة الصوتيه والكتابية .
عرفها في في موقع دردشة كتابية .. تطور الأمر الى أخذ رقم هاتفها الثابت .. وفي عطلة نهاية الأسبوع تحدثا سوياُ في الساعات الاولى من فجر الخميس .. حين كان جميع افراد اسرتها يغطون في سبات عميق .
كانت حينها تبلغ التاسعة عشر .. وكان هو يكبرها بأربعة أعوام .. كانت خامس أو سادس فتاة يتعرف عليها .. وكان هو أول شاب تتعرف عليه .
بعد شهر .. ابتاعت هاتف محمول من مكافأة الجامعة التي تدرس فيها .. وصار الوقت للحديث بينهم أطول .. وترابطت المشاعر بشكل أعمق .. وركل جنين الحب حينها رحم المجتمع بقدميه .. ليعلن عن بداية أول حب صادق في ذلك الرحم .
بعد شهور أصبح يعرفها أكثر من معرفته لشقيقاته .. وصارت تعرفه أكثر من معرفتها لأشقائها . 
وبعد ثلاث سنوات كان اللقاء الأول بينهم في الشرقية .. وعلى جال بحر الخليج .. حينما مر بسيارته بجانبها وهي تقف مع اخيها الصغير عند بائع الأيس كريم في "الهافمون"
رآها لمدة لا تتجاوز خمسة عشر ثانية .. ورأته لمدة لم تتجاوز خمسة ثواني لخجلها منه .
أعجب كل منهما بالآخر بشكل أكبر .. وأحب كل منهما الاخر قبل بداية السنة الرابعة .

أتفق معها على الزواج .. وعندما أخبر والدته بالموضوع .. رفضت بشكل قطعي .. لأنها تخجل من القول لأفراد مجتمعها بأن أبنها البكر تزوج عن طريق علاقة حب نشأت في "الانترنت"
ولأنه أبن عاق ذهب من خلف أمه وهاتف أبيها لكي يتقدم لها .. ولكن والدها رفض بأن يستقبله .. طالما أنه لن يحضر معه ولاة أمره .. نيابة عن والده المتوفي من سنين .
بعد فقدان الأمل .. لجأ الاثنان للعادات والتقاليد .. وتزوج هو الفتاة التي أحبتها أمه .. وتزوجت هي الشاب الذي أرتاح له أبيها .
لأن الزوجة حبيبة أمه لم تكن هي .. ولأن الزوج صديق أبيها لم يكن هو .. تطلق الاثنان .
خرج هو من زواجه بحبيبة والدته سالماُ معافى .. وخرجت هي من زواجها بصديق والدها بفتاة جميلة تشبهها .. قبل الطلاق .. كان قد أشترط والد صغيرتها وصديقها والدها بأن تعيش طفلتها معه .. عند بلوغها ثلاث سنوات .. ولأنها تكره صديق أبوها كرهاُ شديداُ .. وافقت بدون تردد على التخلي عن أبنتها بعد ثلاث سنوات .. مقابل الطلاق منه .. ووافقت دون تردد .


"حب 330"
دعونا نذهب لقصة الثرثارة كارول :
في العمل كانت كارول تحكي دائماُ لزميلتها نادين عن شقيقها الرائع جورج .. تتحدث عن مواقفه ومقالبه وهداياه لها في المناسبات و في غير المناسبات وعن اسراره .
في المنزل كانت كارول تحكي دائماُ لشقيقها جورج عن زميلتها الرائعة نادين .. تتحدث عن أخلاقها وعن كرمها وعن طيبتها وعن أسلوبها وعن جمالها وعن أسرارها .
كان الاثنان يؤمنان بأمرين .. الأول أن كارول تستحق جائزة نوبل للثرثرة .. والثاني أنهما من خلال الذي سمعاه من الثرثارة كارول فأن كل منهما مكمل للآخر .
خطرت في بال جورج فكرة .. ولم يتردد لدقيقة في أخبار كارول عنها .. وهي أن يأخذ رقم نادين .. ويحادثها لمدة أسبوع .. وبعد ذلك يتقدم لخطبتها بشكل رسمي .
لم تنتظر كارول حتى الصباح حتى تخبر صديقتها نادين .. بل سارعت بالتحدث مع نادين عن طريق الهاتف المحمول .. وإخبارها بفكرة شقيقها جورج .
في بداية الأمر رفضت نادين .. مستندة الى أحكام العادات والتقاليد في مجتمعها الذي يحرم مثل هذه الامور .
مع الاصرار وكثرة الالحاح من كارول .. وافقت بعد أيام على ذلك المخطط الجورجي .
لم تكفيهم الايام السبعة للأسبوع للتعرف على بعض .. وقرروا جعل أيام الأسبوع ثلاثين .. بدلاُ من سبعة .. لذلك تحدثوا سوية لمدة شهر .
تعلقوا ببعض كثيراُ .. لدرجة أن جورج أسر لشقيقته في أحد الأيام بأنه يشعر بأن نادين "خلقت لتكون نصفه الثاني"
بعد شهر .. ذهبت عائلة جورج لعائلة نادين .. وخطبوا نادين لأبنهم جورج .. ورأى كل منهما الاخر على الطبيعة أثناء النظرة الشرعية .
طلب أهل نادين من أهل جورج إعطائهم أسبوع ك مهلة للسؤال عن أخلاق وماضي وحاضر أبنهم جورج .
كل سؤال عن جورج كان جوابه ايجابي .. كيف لا يكون ايجابي وجورج إنسان معروف في الحارة ومقر العمل بدماثة الخلق والثقافة والاحترام والأسلوب الحسن .
باستثناء نقطة صغيرة كانت سلبية في نظر والد نادين .. وهي أن عائلة جورج 110 .. وليسوا 220 .. وكان هذا الشيء سبب كافي لإرسال رسالة نصية لجورج محتواها "مافي نصيب .. والله يرزقك بأحسن منها"
ولم يكتفي والد نادين عند ذلك الحد .. بل أجبر أبنته نادين على الزواج من أحد أبناء عمها .. ولأنها لم تكن معه سوى جسد بلا روح .. لم يدم زواجهم أكثر من ثلاثة شهور .. فعادت بمسمى "مطلقة" لمنزل والدها ال 220 .. وعادت لعلاقتها الهاتفيه مع جورج بشكل أقوى من السابق!!
بينما تخطى جورج حاجز الثلاثين عام .. بدون زواج .. لأنه يخشى أن يظلم الفتاة التي سوف يرتبط بها .. لأنها لن تكون له نادين .. ولأنه يؤمن بأنه لا توجد سوى "نادين" واحدة على هذا الكوكب .

ثالث القصص هي قصة الحالم جهاد :

" أسقني حب .. أو .. أسقني إعذار واهية "
نشأت قصة جهاد مع محبوبته المراهقة من خلال اتصال خاطئ منها ورد على جواله "كما تدعي" .
معرفه .. ثم تعود .. ثم أعجاب .. ثم تعلق .. ثم حب صادق .
المعرفة أخذت شهر .. والتعود شهرين .. والإعجاب ثلاثة شهور والتعلق قرابة السنتين .. والحب أتى متأخراُ بعد ثلاث سنوات .
النهاية قرر جهاد كسر حاجز العادات والتقاليد .. واثبات حبه لمراهقته التي أصبحت طالبة جامعية .. من خلال التقدم لها والزواج بها على سنة الله ورسوله .. ولكن سرعان ما تكسرت مجاديفه وعلق في محيط الحب .. بعدما قالت له "خلنا أصدقاء أحسن .. لو يعرفون أهلي أني تعرفت عليك عن طريق جوال يمكن يقتلوني"
حاول يقنعها .. ولكن أنتهى كل شيء عندما قامت بكسر شريحتها .. وتغيير رقم هاتفها المحمول .
طيب .. ومشاعره !! طيب .. وذكرياته !! طيب .. وأحلامه !! طيب .. وطموحه اللي هو أنتي !! طيب وثلاث سنوات ضاعت من عمره من يعوضه فيها !! طيب .. وقلبه اللي عشقك ومستحيل يعشق بعدك ولو جابوا له جميع نساء الأرض ؟؟ طيب .. وحبه الطاهر .. حبه الصادق .. حبه اللي ولد في ظروف كلها عكسه .. حبه اللي حارب جميع العادات والتقاليد عشانك .. حبه اللي ما يتكرر مرتين !! حبه اللي حوله من فاشل .. لشخص ناجح .. وبعد فقدانك .. رجعه لشخص فاشل .. ضايع .. وحزين ؟؟

أؤمن تماماُ بأن هذه القصة تكررت كثيراُ في مجتمعنا ؟؟ وأؤمن أيضاُ بأن اذا كان الضحية في قصتي ذكر .. فأن 90% من ضحاياها إناث .. لا حول لهن ولا قوة .. تعرفن .. وأعجبن .. وتعلقن .. وأحبن .. وضحن .. وكانوا مستعدات لفعل أي شيء ليستمر ذلك الحب .. الذي هدمه فارس الاحلام الجبان .. الذي يؤمن بأن الارتباط فيها ليس إلا عار .. ليس إلا عيب .. لأنها وأن كلمته سنين وأحبته .. فأنها قد تتعرف على غيره بعد ارتباطه فيها .
وكأن فرسان الأحلام المتخلفين نسوا قول الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام عندما قال ""لا أرى للمتحابين مثل النكاح""
وكأن فرسان الاحلام الأغبياء نسوا بأن من خلق السموات والأرض قادر على رد الصاع لهم بصاعين .. وقد يرزقهم بزوجات من اختيار والدتهم .. كانوا يهاتفون فرسان احلامهم لسنوات .. غدروا فيهن ولم يتقدموا لهن .. مثلما فعل هو بالفتاة التي أحبته بصدق .

قصص العشق في هذا المجتمع وهذه البيئة قد تكون كثيرة للغاية .. ولكن أجزم أن 99.99% من تلك القصص تحمل نهايات مثل نهايات تلك القصص الواقعية التي ذكرتها بالأعلى .

أخبرني عزيزي القارئ بعد قراءتك لما كتبته بالأعلى وأجب عن أسئلتي :
أي حب هذا الذي نتحدث عنه ؟
وهل هذا المجتمع يستطيع أن يعيد لنا قصص عشق مثل قصة "عنتر وعبلة" .. قصة مجنون ليلى .. وغيرها من القصص العربية النادرة في الحب .
هل تلومني عزيزي القارئ لو فضلت العيش بدون علاقة حب .. على المغامرة بمشاعري وأحاسيسي في قصة حب ستكون نهايتها بلا شك مأسوية ؟؟
آمنت بأن ألم الوحدة أخف وأرق بكثير من ألم فقدان الحبيب .. وآمنت بأن حب الأصدقاء من نفس الجنس هو أفضل حب قد تعيشه في هذا المجتمع .. لأنك لن تخسر صديق أحببته بسبب أصلك .. أو بسبب فقرك .. أو بسبب لأنك تعرفت عليه في "شات أو منتدى أو باتصال خاطئ ولم تتعرف عليه عن طريق صداقة والدك لوالده .. أو معرفة شقيقك له ..
آمنت بأن حلمي بحب صادق نهايته سعيدة في هذا المجتمع كأيماني بولادة نملة لفيل .. لذلك اعتبروني .. كافر بأي حب يولد في هذا المجتمع .. الذي يعتبر العدو الأول للحب .



أختم موضوعي بهذا الأقتباس للكاتب محمد الرطيان